قبل ست سنوات نزحت “أم محمد” وعائلتها من منطقة عفرين، ذات الغالبية الكردية، بريف حلب الشمالي، لكنها ما تزال تحتفظ بمفتاح منزلها، ويحدوها أملٌ بالعودة إليه، ذات يوم.
وأم محمد، ليست إلا واحدة من عشرات الآلاف ممن ينتظرون العودة إلى قراهم، حيث تسبب هجوم شنته تركيا العام 2018، مع فصائل المعارضة السورية بنزوح نحو 300 ألف شخص من منطقة عفرين. ويقول ابنها محمد (25 عاماً):
“المفتاح ذاك، هو الشيء الوحيد المتبقي من رائحة منزلنا في إحدى قرى ناحية راجو؛ وهو ما يجعل والدتي متشبثة بحلم العودة إليه”.
يتذكر الشاب الكردي تفاصيل عديدة عن منزل عائلته المبني على طراز الفلل (منازل كبيرة)، وسط بساتين زيتونٍ كانت تضُمُ أكثر من 500 شجرة، لكن “قاضياً” من فصيل “أحفاد الرسول” الإسلامي، استولى عليه، وأسكن عائلته فيه، بعدما آلت المنطقة إلى سيطرة الفصائل التي تتحكم بها تركيا.
ويذكُرُ محمد أيضاً، أنهم طلبوا، ذات مرة، من أحد أقاربهم، ممن عادوا في وقت مبكرٍ إلى عفرين عقب الهجوم، أن يتفقد منزلهم، لكن القاضي طرده، بعدما حمله رسالة تهديداً، تحذرهم من العودة إلى عفرين.
“منطقة آمنة”
كان من الذرائع التي دفعت بها تركيا، لتبرير هجومها على عفرين، إنشاء منطقة آمنة، شمالي سوريا، لكن الأحوال فيها تبدو أبعد ما تكون عن الأمان، وفق ما تتقاطع شهادات نازحين من المنطقة.
ووفقاً لتقرير منظمة هيومن رايتس ووتش، الصادر نهاية شباط/فبراير 2024، فإن عفرين باتت “تزخر بانتهاكات ترتكبها في المقام الأول فصائل من الجيش الوطني السوري، كما تتسم حياة 1.4 مليون نسمة من ساكنيها، بالفوضى القانونية وانعدام الأمن”.
النازحة حميدة مصطفى (41 عام)، هي الأخرى كانت تمتلك شقة في حي المحمودية شمالي مدينة عفرين، حيث أقامت فيها مع عائلتها حتى العام 2018، قبل أن يستولي عنصر من فرقة الحمزة/الحمزات عليها، بعد الهجوم.
تقول حميدة، الأم لثلاثة أطفال، جيراني كانوا شهوداً على حادثة الاستيلاء على منزلي، من قبل عنصر الحمزات، الذي قام ببيع مقتنياتنا من أثاث وسجاد وألواح طاقة شمسية، قبل إن يسكن عائلته فيه”.
“تعذيب وحشي”
تتشابه قصص الكثير من نازحي عفرين في جزئية استيلاء فصائل المعارضة على ممتلكاتهم، لكنها تبدو مختلفة في حجم المعاناة والأثر الذي خلفته على حياتهم.
فحسين سيدو، الذي يقيم حالياً بمدينة الحسكة، كان قد نزح مع أبناءه وأحفاده من ريف ناحية معبطلي، عقب الهجوم التركي، وما يزال يستحضر مشاهد حية من رحلة نزوحه، كلما تجدد الحديث عن عفرين.
ويقول النازح، إنه خسر كل ممتلكاته في عفرين، كما علم أن عائلتي عنصرين من الفصائل التي نشطت في الغوطة الشرقية، بريف دمشق، تقيمان حالياً في منزله ومنزل ولده البكر.
وعدا قصة استيلاء فصائل المعارضة على ممتلكاته، يذكر النازح الستيني أيضاً، قصة جاره حمو؛ الذي اختار العودة إلى قريته، دون أن يعلم أن “فصيل السلطان مراد” سيعتقله، بحجة العمل مع الإدارة الذاتية.
ويرى -حسين أن قضية العودة أمر بالغ الصعوبة، ذلك إن جاره حمو عاش، صنوفاً من العذاب، خلال اعتقاله؛ إذ كان المسلحون يطعنون ظهره ومن ثم يسكبون ملح الليمون عليه، وذلك لكي يتنزعوا منه أسماء عاملين مع الإدارة الذاتية، ومن ثم كانوا يعاودون تعذيبه، متى ما علموا بزيف الأسماء التي كان يذكرها لهم.
لا يرفض النازح فكرة العودة إلى قريته، فيما لو توقفت الانتهاكات فيها، وتواجدت مؤسسات أممية و منظمات دولية على الأرض، ذلك أن تركيا منعت خلال السنوات الماضية، المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام الدولية، من دخول المنطقة، ما منع إمكانية نقل الحقائق ورصد الانتهاكات التي كانت تحدث.
ورغم أن فصائل المعارضة السورية، دأبت طوال سنوات، على إطلاق وعود حول استعادة الأمن والاستقرار في عفرين، ودعوة نازحيها للعودة، إلا أن كثيرين منهم مثل، محمد وحسين وحميدة، يرون في هذه الدعوات، مجرد دعاية، تناقضها ممارسات الفصائل على الأرض.